ارتفاع الأسعار يقتل فرحة المصريين بشهر رمضان


يستقبل المواطن المصري رمضان هذا العام وسط أجواء متوترة وصعبة على المستويين العام والخاص، فمنذ بداية يوليو شهدت الأسواق ارتفاعا في أسعار العديد من المواد الغذائية عامة، والمرتفعة أصلا، ولوحظ نقص في المواد التموينية الحكومية التي تمنح بناء على بطاقات خاصة لمحدودي الدخل والفقراء، فضلا عن استمرار أزمة الخبز والغاز والبنزين والسولار واللحوم وغيرها، وقد انعكس ذلك على فرحة المواطن بقدوم الشهر الكريم، فسجل تجار جملة للمواد الغذائية تراجعا شديدا في حجم البيع، أما أصحاب محلات التجزئة، فأكدوا أن هناك تراجعا في حجم وكمية الشراء وراؤه -من وجهة نظرهم- إحجام الناس عن الشراء.

الأسرة المصرية هذا العام مطالبة بتوفير ثلاث ميزانيات لـ: قضاء أجازة المصيف، وشهر رمضان، والعام الدراسي، فالشهر الكريم يجئ في عز الصيف، الأمر الذي أحدث ارتباكا، وقد اعتاد المصريون توفير بعض النفقات من أجل التوجه للمصايف لأسبوع على الأقل، حيث يشكل المصيف الإجازة الوحيدة التي تسمح للأسرة بالتقاط أنفاسها من عناء عام كامل.

ولأن رمضان ليس شهرا عاديا بالنسبة إلى المصريين، حيث إنهم يحرصون على أن تكون موائدهم عامرة ومفتوحة طوال الشهر للأهل والأقارب. لذا، فهو يحتاج ميزانية خاصة تسمح بشراء الياميش والمكسرات القطائف والكنافة، وغير ذلك من الأطعمة والأطباق التي يتميز بها الشهر.

العام الدراسي يبدأ عقب عيد الفطر المبارك، وميزانيته تشكل الميزانية الأساسية، الأمر الذي يدفع بالأسرة المصرية بين شقي الرحى، فحتى التخلي عن إجازة المصيف لن ينفعها في شيء، حيث إن ميزانية الشهر الكريم لا تقتصر فقط على الأكل والشرب، بل تمتد لشراء ملابس العيد والهدايا والواجبات الأسرية.

إذن الأمر يدخل بالمواطن المصري إلى دائرة الاختناق، وللسيدة نعمات عبد الحكيم، مدير عام بأحد البنوك الخاصة، حق في القول بأن "الدنيا مكركبة والناس نفسها مسدودة"، وتضيف: "إذا كنت أنا مختنقة ونفسي مسدودة عن كل حاجة ولا أعرف ماذا أفعل، ما بالك بموظفين آخرين رواتبهم ضئيلة قياسا براتبي، فارتفاع الأسعار المستمر منذ أكثر من عامين لا يتيح لأحد التوفير، كنا نوفر للمصيف ولرمضان وللمدارس، الآن ارتفاع الأسعار يبتلع الراتب وما تم توفيره".

بائع تمر "بلح" يفترش جانبا من شارع الموسكي رفض ذكر اسمه خوفا من الحكومة، قال: "أنا من أسوان. آتي كل عام قبل رمضان بشهر لبيع مختلف أنواع البلح الجاف، ما يلفت نظري هذا العام أن الناس تقلب وتسأل عن السعر ولا تشتري، على الرغم من أن السعر انخفض عن العام الماضي على الأقل جنيهين وثلاثة".

ولا يخفي البائع الأسواني أن الزبائن تقلب البلح وهي في حالة (توهان)، "تريد أن تشتري لكنها خائفة، لا يهون عليها دفع المال".

ويؤكد أنه لم ير ما يراه الآن من قبل، حيث كانت الناس -حتى في ظل ضائقتها المادية- تشتري مقادير رمزية "المهم أنها تشتري وتقول إنها اشترت".

تاجر الفوانيس بحي "السيدة زينب" محمد عبد النعيم، يقول: "عرضت الفوانيس منذ 15 يوما، وحتى اليوم لم أبع أكثر من 6 فوانيس، حتى الفوانيس الصينية، التي غالبا ما يشتريها الآباء لأطفالهم فرحا بمجيء رمضان، لا أحد يقبل عليها".

ويضيف: "لا أعرف ما الذي حصل للمصريين هذه السنة، الضائقة المادية لم تؤثر من قبل مثلما أثرت الآن على إقبال الناس على الفوانيس، باختصار، لأنها زينة تؤكد الفرحة، حتى المحلات الكبرى والفنادق لم تطلب ما كانت تطلبه كل عام من فوانيس ذات مقاسات كبيرة تضعها في الواجهات".

وأبدى أصحاب محلات العطارة في منطقة الموسكي تذمرا نتيجة ضعف البيع، وقال الحاج رضوان عبد الكريم: "الأغلبية تكتفي بشراء لفافات من قمر الدين ونصف كيلو زبيب، والبندق وعين الجمل واللوز، نصف كيلو على أقل تقدير، لكن لا أحد يطلب المشمشية والتين والفستق والكاجو وغيرها من الأصناف المرتفعة الثمن ولا يرى الزبون أنها ذات قيمة ضرورية".

ويؤكد الحاج رضوان أن هناك بالطبع فئات تشتري كل الأصناف وبكميات كبيرة، لكن الأغلبية لا تفعل ذلك؛ "هناك من يكتفي بالتمر، ولا تتخيل أنه رخيص، لكنه ضرورة".

ويتراوح سعر كيلو التمر ما بين 12 إلى 22 جنيها، والزبيب ما بين 20 إلى 25 جنيها، والفستق ما بين 65 إلى 75 جنيها، والبندق ما بين 28 إلى 32، وهكذا عين الجميل، وجوز الهند ما بين 10 إلى 14 جنيها، والكاركديه ما بين 28 إلى 40 جنيها، والمشمشية والتين والقراصية تجاوزوا الثلاثين جنيها.

ويقول مصطفى محمود، صاحب محل عطارة في الأزهر: "هذه الأسعار هي الأقل، لأننا نبيع بأسعار الجملة، وعلى بعد خطوات يمكنك أن ترى هذه الأسعار عند رجب العطار وخضر العطار، ضعف هذه الأسعار، ومع ذلك أؤكد لك أن الإقبال ضعيف، والناس قللت في الكمية التي اعتادت شراءها سنويا مع بداية الشهر الكريم، مع ملاحظة أن الناس بمجرد بدء رمضان لا تشتري، الموسم يبدأ من منتصف شعبان تقريبا وينتهي مع أول أيام الشهر الكريم".

ويؤكد أحمد علي، أستاذ الاقتصاد، أن المواطن المصري يمر الآن بحالة من الارتباك والتشتت، فارتفاع الأسعار مع ثبات الدخل لم يعد يتيح له فرصة التوفير لأي مناسبة خاصة أو عامة، بل إنه في أغلب الأحيان يحمد الله على أن الشهر يمر دون أن يستدين.

ويقول: "مجيء رمضان في عز الصيف وقرار وزارة التعليم بدء العام الدراسي عقب عيد الفطر يهدد حياة الأسرة المصرية بأزمة خطيرة، هذه الأسرة التي أهلكها ارتفاع الأسعار، فماذا ستفعل في رمضان والعيد والمدارس، نعم هناك بعض المؤسسات والهيئات الحكومية توفر سلفة تخصم من الراتب، هذا عن الموظفين، فماذا عن هؤلاء الذين يعملون عملا حرا!".

ويرى أستاذ الاقتصاد أن لا حل سوى تتنازل الأسرة المصرية عن المصيف، وأن تتخلى عما اعتادت عليه من نفقات في الشهر الكريم، وأن تضغط على نفسها، حيث تظل متطلبات العام الدراسي هي الأكثر ضرورة، وهي تعرف أنها لن تستطيع إدخال أبنائها للمدرسة دون أن تدفع على الأقل القسط الأول من المصاريف وشراء مستلزمات الدراسة من كتب خاصة وكراريس وأقلام ومساطر وغيرها
بوابة الشروق

Comments